فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {تبارك} قد شرحناه في [الأعراف: 54].
قوله تعالى: {الذي بيده الملك} قال ابن عباس: يعني: السلطان يُعِزُّ ويُذِلُّ.
قوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة} قال الحسن: خلق الموت المزيل للحياة، والحياة التي هي ضد الموت {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} قد شرحناه في [هود: 7] قال الزجاج: والمعلّق ب {أيكم} مضمر تقديره: ليبلوكم، فيعلم أيُّكم أحسن عملا، وهذا علم وقوع.
وارتفعت (أي) بالابتداء، ولا يعمل فيها ما قبلها، لأنها على أصل الاستفهام، ومثله {أيُّ الحزبين أحصى} [الكهف: 12].
والمعنى: خلق الحياة ليختبركم فيها، وخلق الموت ليبعثكم ويجازيكم.
وقال غيره: اللام في {ليبلوكم} متعلق بخلق الحياة دون خلق الموت، لأن الابتلاء بالحياة، {الذي خلق سبع سموات طباقا} أي: خلقهنّ مطابقات، أي: بعضها فوق بعض {ما ترى} يا ابن آدم {في خلق الرحمن من تفاوت} قرأ حمزة والكسائي: {من تفوُّت} بتشديد الواو من غير ألف.
وقرأ الباقون بألف.
قال الفراء: وهما بمنزلة واحدة، كما تقول: تعاهدت الشيء، وتعهّدته.
والتفاوت: الاختلاف.
وقال ابن قتيبة: التفاوت: الاضطراب والاختلاف، وأصله من الفوت، وهو أن يفوت شيء شيئا، فيقع الخلل، ولكنه متصل بعضه ببعض.
قوله تعالى: {فارجع البصر} أي: كرِّر البصر {هل ترى من فطور} وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، {هل ترى} بإدغام اللام في التاء، أي: هل ترى فيها فروجا وصُدوعا.
قوله تعالى: {ثم ارجع البصر كرّتين} أي: مرّة بعد مرّة {ينقلبْ إليك البصر خاسئا} قال ابن قتيبة: أي: مبعدا من قولك: خسأتُ الكلب: إذا باعدته {وهو حسير} أي: كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه.
وقال الزجاج: قد أعيا من قبل أن يرى في السماء خللا.
قوله تعالى: {ولقد زيّنّا السماء الدنيا بمصابيح} وقد شرحناه في [حم السجدة: 12] {وجعلناها رجوما للشياطين} أي: يرجم بها مسترقو السمع.
وقد سبق بيان هذا المعنى [الحجر: 18] {وأعتدنا لهم} أي: في الآخرة {عذاب السعير} وهذا وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله تعالى: {سمِعوا لها شهيقا} أي: صوتا مثل صوت الحمار.
وقد بينا معنى الشهيق في [هود: 106] {وهي تفور} أي: تغلي بهم كغلي المِرْجل {تكاد تميّز} أي: تتقطّع من تغيُّظها عليهم {كلما أُلقي فيها فوْجٌ} أي: جماعة منهم {سألهم خزنتُها ألم يأتكم نذير} وهذا سؤال توبيخ.
قوله تعالى: {إِن أنتم} أي: قلنا للرسل: {إن أنتم إلا في ضلال} أي: في ذهاب عن الحق بعيد.
قال الزجاج: ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا: {لو كنا نسمع} أي: سماع من يعي ويفكِّر {أو نعقل} عقل من يُميِّز وينظر {ما كنا} من أهل النار {فسحقا} أي: بُعْدا.
وهو منصوب على المصدر، المعنى: أسحقهم الله سحقا، أي: باعدهم الله من رحمته مباعدة، والسحيق: البعيد.
وكذلك روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس {فسحقا} أي: بُعْدا.
وقال سعيد بن جبير، وأبو صالح: السُّحق: وادٍ في جهنم يقال له: سُحق.
قوله تعالى: {إن الذين يخْشوْن ربّهم بالغيب} قد شرحناه في [سورة الأنبياء: 49] {لهم مغفرة} لذنوبهم {وأجر كبير} وهو: الجنة.
ثم عاد إلى خطاب الكفّار، فقال تعالى: {وأسِرُّوا قولكم أو اجهروا به} قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخبره جبرائيل بما قالوا، فيقول بعضهم: أسروا قولكم حتى لا يسمع إله محمد.
قوله تعالى: {ألا يعلم من خلق} أي: ألا يعلم ما في الصدور خالقها؟!، و{اللطيف} مشروح في [الأنعام: 103] و{الخبير} في [البقرة: 234].
قوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلُولا} أي: مُذلّلة سهْلة لم يجعلها ممتنعة بالحُزُونة والغِلظ.
قوله تعالى: {فامشوا في مناكبها} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: طرقاتها، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: جبالها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة، واختاره الزجاج، قال: لأن المعنى: سهل لكم السلوك فيها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها، فهو أبلغ في التذليل.
والثالث: في جوانبها، قاله مقاتل، والفراء، وأبو عبيدة، واختاره ابن قتيبة، قال: ومنكبا الرجل: جانباه.
قوله تعالى: {وإليه النشور} أي: إليه تُبْعثُون من قبوركم.
ثم خوف الكفار فقال: {أأمنتم} قرأ ابن كثير: {وإليه النشور وأمنتم} وقرأ نافع، وأبو عمرو: {النشور آمنتم} بهمزة ممدودة.
وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {أأمنتم} بهمزتين {منْ في السماء} قال ابن عباس: أمنتم عذاب منْ في السماء، وهو الله عزّ وجل؟! و{تمور} بمعنى تدور.
قال مقاتل: والمعنى: تدور بكم إلى الأرض السفلى.
قوله تعالى: {أن يرسل عليكم حاصبا} وهي: الحجارة، كما أرسل على قوم لوط {فستعلمون كيف نذيرِ} أي: كيف كانت عاقبة إِنذاري لكم في الدنيا إذا نزل بكم العذاب {ولقد كذّب الذين من قبلهم} يعني: كفار الأمم {فكيف كان نكيرِ} أي: إنكاري عليهم بالعذاب.
{أولم يروا إلى الطير فوقهم صافّات} أي: تصفُّ أجنحتها في الهواء، وتقبض أجنحتها بعد البسط، وهذا معنى الطيران، وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط {ما يُمسِكُهنّ} أن يقعن {إلا الرحمنُ}.
قوله تعالى: {أمّن هذا الذي هو جند لكم} هذا استفهام إنكار.
ولفظ {الجُنْدِ} مُوحّد، فلذلك قال تعالى: {هذا الذي هو} والمعنى: لا جُنْد لكم {ينصركم} أي: يمنعكم من عذاب الله إن أراده بكم {إنِ الكافرون إلا في غرور} وذلك أن الشيطان يغرُّهم، فيقول: إن العذاب لا ينزل بكم {أمّن هذا الذي يرزقكم} المطر وغيره {إن أمسك} الله ذلك عنكم {بل لجُّوا في عُتُوٍّ} أي: تمادٍ في كفر {ونفور} عن الإيمان.
ثم ضرب مثلا، فقال تعالى: {أفمن يمشي مُكِبّا على وجهه} قال ابن قتيبة: أي: لا يبصر يمينا، ولا شمالا، ولا من بين يديه.
يقال: أكبّ فلانٌ على وجهه بالألف، وكبّه الله لوجهه، وأراد: الأعمى.
قال المفسرون: هذا مثل للمؤمن، والكافر.
و(السويُّ): المعتدل، أي: الذي يبصر الطريق.
وقال قتادة: هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مُكِبّا على وجهه، والمؤمن يمشي سويا.
قوله تعالى: {قليلا ما تشكرون} فيه قولان.
أحدهما: أنهم لا يشكرون، قاله مقاتل.
والثاني: يشكرون قليلا، قاله أبو عبيد.
قوله تعالى: {ذرأكُمْ} أي: خلقكم {ويقولون متى هذا الوعد} يعنون بالوعد: العذاب {فلما رأوه زُلْفة} أي: رأوا العذاب قريبا منهم {سِيْئتْ وجوه الذين كفروا} قال الزجاج: أي: تبين فيها السُّوءُ.
وقال غيره: قُبِّحْت بالسواد {وقيل هذا الذي كنتم به تدّعُون} فيه قولان.
أحدهما: أنّ {تدّعون} بالتشديد، بمعنى تدعون بالتخفيف، وهو (تفتعلون) من الدعاء.
يقال: دعوت، وادّعيت، كما يقال: خبرْتُ واخْتبرْتُ، ومثله: يدّكِرون، ويدْكُرون، هذا قول الفراء، وابن قتيبة.
والثاني: أن المعنى: هذا الذي كنتم من أجله تدّعون الأباطيل والأكاذيب، تدّعون أنكم إِذا مُتُّم لا تُبْعثُون؟! وهذا اختيار الزجاج.
وقرأ أبو رزين، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضحاك، وابن أبي عبلة، ويعقوب: {تدْعون} بتخفيف الدال، وسكونها، بمعنى تفْعلون من الدعاء.
وقال قتادة: كانوا يدعُون بالعذاب.
قوله تعالى: {قل أرأيتم إن أهلكني الله} بعذابه {ومن معي} من المؤمنين.
قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {معي} بفتح الياء.
وقرأ أبو بكر عن عاصم، والكسائي: {معي} بالإسكان {أو رحِمنا} فلم يعذِّبْنا {فمنْ يجير الكافرين} أي يمنعهم ويؤمِّنُهم {من عذاب أليم} ومعنى الآية: إنا مع إِيماننا، بين الخوف الرّجاء: فمن يجيرُكم مع كفركم من العذاب؟! أي: لأنه لا رجاء لكم كرجاء المؤمنين {قل هو الرحمن} الذي نعبُدُ {فستعلمون} وقرأ الكسائي: {فسيعلمون} بالياء عند معاينة العذاب من الضالُّ نحْن أم أنتم.
قوله تعالى: {إن أصبح ماؤكم غوْرا} قد بيّنّاه في [الكهف: 41] {فمن يأتيكم بماءٍ معينٍ} أي: بماءٍ ظاهر تراه العيون، وتناله الأرشية. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {تبارك الذي بيده الملك} أي له الأمر والنهي والسلطان فيعز من يشاء ويذل من يشاء {وهو على كل شيء قدير} أي من الممكنات {الذي خلق الموت والحياة} قيل أراد موت الإنسان وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء وإنما قدم الموت لأنه أقرب إلى قهر الإنسان، وقيل قدمه لأنه أقدم وذلك لأن الأشياء كانت في الابتداء في حكم الموتى كالتراب والنطفة والعلقة ونحو ذلك ثم طرأ عليها الحياة وقال ابن عباس خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلقت الحياة على صورة فرس بلقاء وهي التي كان جبريل والأنبياء يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي وهي التي أخذ السامري قبضة من أثرها فألقاها في العجل فخار وحيي وقيل إن الموت صفة وجودية مضادة للحياة، وقيل الموت عبارة عن زوال القوة الحيوانية وإبانة الروح عن الجسد وضده الحياة وهي القوة الحساسة مع وجود الروح في الجسد وبه سمي الحيوان حيوانا وقيل إن الموت نعمة لأن الفاصل بين حال التكليف في هذه الدار وحال المجازاة في دار القرار والحياة أيضا نعمة إذ لولاها لم يتنعم أحد في الدنيا ولم يصل إليه الثواب في الآخرة {ليبلوكم} أي ليختبركم فيما بين الحياة إلى الموت {أيكم أحسن عملا} روي عن ابن عمر مرفوعا أحسن عملا أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعته وقال الفضيل بن عياض أحسن عملا أخلصه وأصوبه، وقال أيضا العمل لا يقبل حتى يكون خالصا صوابا فالخالص إذا كان لله والصواب إذا كان على السنة وقيل أيكم أزهد في الدنيا {وهو العزيز} أي الغالب المنتقم ممن عصاه {الغفور} أي لمن تاب إليه ورجع عن إساءته.
قوله تعالى: {الذي خلق سبع سموات طباقا} يعني طبقا على طبق بعضها فوق بعض كل سماء مقبية على الأخرى وسماء الدنيا كالقبة على الأرض قال كعب الأحبار سماء الدنيا موج مكفوف والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفر أو قال نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء وما بين السماء إلى الحجب السبعة صحار من نور، {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} أي ما ترى يا ابن آدم في شيء مما خلق الرحمن اعوجاجا ولا اختلافا ولا تناقضا بل خلقهن مستقيمة مستوية {فارجع البصر} أي كرر النظر {هل ترى من فطور} أي من شقوق وصدوع {ثم ارجع البصر كرتين} قال ابن عباس مرة بعد مرة {ينقلب} أي ينصرف {إليك} فيرجع {البصر خاسئا} أي صاغرا ذليلا مبعدا لم ير ما يهوي {وهو حسير} أي كليل منقطع لم يدرك ما طلب {ولقد زينا السماء الدنيا} أي القربى من الأرض وهي التي يراها الناس {بمصابيح} أي بكواكب كالمصابيح في الإضاءة وهي أعلام الكواكب، وقال ابن عباس بنجوم لها نور وقيل خلق الله النجوم لثلاث زينة للسماء وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ورجوما للشياطين وهو قوله تعالى: {وجعلناها رجوما للشياطين} قال ابن عباس: يرجم بها الشياطين الذين يسترقون السمع.
فإن قلت جعل الكواكب زينة للسماء يقتضي بقاءها وجعلها رجوما للشياطين يقتضي زوالها فكيف الجمع بين هاتين الحالتين.
قلت قالوا إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب بل يجوز أن تنفصل من الكواكب شعلة وترمي الشياطين بتلك الشعلة وهي الشهب ومثلها كمثل قبس يؤخذ من النار وهي على حالها {وأعتدنا لهم} أي وأعتدنا للشياطين بعد الاحتراق في الدنيا {عذاب السعير} أي في الآخرة وهي النار الموقدة {وللذين كفروا بربهم} أي ليس العذاب مختصا بالشياطين بل لكل من كفر بالله من إنس وجن {عذاب جهنم وبئس المصير} ثم وصف جهنم فقال تعالى: {إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا} هو أول صوت نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات {وهي تفور} أي تغلي بهم كغلي المرجل وقيل تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل، {تكاد تميز} أي تتقطع {من الغيظ} من تغيظها عليهم {كلما ألقي فيها فوج} أي جماعة {سألهم خزنتها} يعني سؤال توبيخ وتقريع {ألم يأتكم نذير} أي رسول ينذركم.
{قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا} يعني للرسول {ما نزل الله من شيء} وهذا اعتراف منهم بأنه أزاح عللهم ببعثة الرسل ولكنهم كذبوا وقالوا ما نزل الله من شيء {إن أنتم إلا في ضلال كبير} فيه وجهان أحدهما وهو الأظهر أنه من جملة قول الكفار للرسل والثاني يحتمل أن يكون من كلام الخزنة للكفار والمعنى لقد كنتم في الدنيا في ضلال كبير {وقالوا لو كنا نسمع} أي من الرسل ما جاؤوا به {أو نعقل} أي نفهم منهم، قال ابن عباس لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به {ما كنا في أصحاب السعير} وقيل معناه لو كنا نسمع سمع من يعي ونعقل عقل من يميز وننظر ونتفكر ما كنا في أصحاب السعير {فاعترفوا بذنبهم} هو في معنى الجمع أي بتكذيبهم الرسل وقولهم {ما نزل الله من شيء} {فسحقا} أي بعدا {لأصحاب السعير} قوله: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} أي يخافون ربهم ولم يروه فيؤمنوا به خوفا من عذابه {لهم مغفرة} أي لذنوبهم {وأجر كبير} يعني جزاء أعمالهم الصالحة {وأسروا قولكم أو اجهروا به} قال ابن عباس نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فيخبره جبريل بما قالوا فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد فأخبره الله أنه لا يخفى عليه خافية فقال تعالى: {إنه عليم بذات الصدور} ثم أكد ذلك بقوله تعالى: {ألا يعلم من خلق} يعني ألا يعلم من خلق مخلوقه، وقيل ألا يعلم الله من خلق والمعنى ألا يعلم الله ما في صدور من خلق {وهو اللطيف} أي باستخراج ما في الصدور {الخبير} بما فيها من السر والوسوسة.
قوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} الذلول المنقاد من كل شيء والمعنى جعلها لكم سهلة لا يمتنع المشي فيها لحزونتها وغلظها {فامشوا في مناكبها} أمر إباحة وكذا قوله: {وكلوا من رزقه} ومناكبها جوانبها وأطرافها ونواحيها وقيل طرقها وفجاجها وقال ابن عباس جبالها والمعنى هو الذي سهل لكم السلوك في جبالها وهو أبلغ التذلل وكلوا من رزقه أي مما خلقه الله لكم في الأرض {وإليه النشور} أي وإليه تبعثون من قبوركم ثم خوف كفار مكة فقال تعالى: {أأمنتم من في السماء} قال ابن عباس يعني عقاب من في السماء إن عصيتموه {أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} أي تتحرك بأهلها وقيل تهوي بهم والمعنى أن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى يقلبهم إلى أسفل وتعلو الأرض عليهم وتمور فوقهم أي تجيء وتذهب.
{أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا} يعني ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط {فستعلمون} أي عند الموت في الآخرة {كيف نذير} أي إنذاري إذا عاينتم العذاب {ولقد كذب الذين من قبلهم} أي من قبل كفار مكة وهم الأمم الخالية {فكيف كان نكير} أي إنكاري عليهم أليس وجدوا العذاب حقا.
قوله: {أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات} أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها {ويقبضن} أي يضممن أجنحتهن إذا ضربن بهن جنوبهن بعد البسط {ما يمسكهن} أي حال القبض والبسط {إلا الرحمن} والمعنى: أن الطير مع ثقلها وضخامة جسمها لم يكن بقاؤها وثبوتها في الجو إلا بإمساك الله إياها وحفظه لها {إنه بكل شيء بصير} يعني أنه تعالى لا تخفى عليه خافية {أمن هذا الذي هو جند لكم} استفهام إنكار أي لا جند لكم {ينصركم} أي يمنعكم {من دون الرحمن} أي من عذاب الله قال ابن عباس أي من ينصركم مني إن أردت عذابكم {إن الكافرون إلا في غرور} أي من الشيطان يغرهم بأن العذاب لا ينزل بهم {أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه} يعني من ذا الذي يرزقكم المطر إن أمسكه الله عنكم {بل لجوا} أي تمادوا {في عتو} أي نبو وتكبر {ونفور} أي تباعد عن الحق ثم ضرب مثلا للكافر والمؤمن فقال تعالى: {أفمن يمشي مكبا على وجهه} أي كابا رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يمينا ولا شمالا وهو الكافر أكب على الكفر والمعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة {أهدى} أي هو أهدى، {أمن يمشي سويا} أي قائما معتدلا لا يبصر الطريق {على صراط مستقيم} يعني المؤمن يمشي يوم القيامة سويا {قل هو الذي أنشأكم} أي خلقكم {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة} يعني أنه تعالى ركب فيكم هذه القوى لكنكم ضيعتموها فلم تقبلوا ما سمعتموه ولا اعتبرتم بما أبصرتموه ولا تأملتم ما عقلتموه فكأنكم ضيعتم هذه النعم فاستعملتموها في غير ما خلقت له فلهذا قال: {قليلا ما تشكرون} وذلك لأن شكر نعم الله صرفها في وجه مرضاته فلما صرفتموها في غير مرضاته فكأنكم ما شكرتم رب هذه النعم الواهب لها {قل هو الذي ذرأكم} أي خلقكم وبثكم {في الأرض وإليه تحشرون} أي يوم القيامة والمعنى أن القادر على الإبداء قادر على الإعادة {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} هذا سؤال يحتمل وجهين: أحدهما أنه سؤال عن نزول العذاب بهم والثاني أنه سؤال عن يوم القيامة فأجاب الله عن ذلك بقوله: {قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين} أمره بإضافة العلم إلى الله تعالى وتبليغ ما أوحي إليه {فلما رأوه} يعني العذاب في الآخرة على قول أكثر المفسرين، وقيل يعني العذاب ببدر {زلفة} أي قريبا {سيئت وجوه الذين كفروا} أي اسودت وعلتها الكآبة والمعنى قبحت وجوههم بالسواد {وقيل} لهم أي وقالت لهم الخزنة {هذا الذي كنتم به تدعون} من الدعاء أي تتمنون وتطلبون أن يعجله لكم وقيل من الدعوى أي تدعون أنه باطل.
{قل} يا محمد لمشركي مكة الذين يتمنون هلاكك {أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي} أي من المؤمنين {أو رحمنا} أي فأبقانا وأخر في آجالنا {فمن يجير الكافرين من عذاب أليم} أي إنه واقع بهم لا محالة وقيل في معنى الآية قل أرأيتم إن أهلكني الله أي فعذبني ومن معي أو رحمنا أي فغفر لنا فنحن مع إيماننا خائفون أن يهلكنا بذنوبنا لأن حكمه نافذ فينا فمن يجيركم أو يمنعكم من عذاب أليم وأنتم كافرون وهذا قول ابن عباس، {قل} أي قل لهم في إنكارك عليهم وتوبيخك لهم {هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا} أي نحن آمنا به وعبدناه وأنتم كفرتم به {فستعلمون} أي عند معاينة العذاب {من هو في ضلال مبين} أي نحن أم أنتم وهذا تهديد لهم ثم ذكرهم ببعض نعمه عليهم على طريق الاحتجاج فقال تعالى: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم} قيل يريد ماء زمزم وقيل غيرها من المياه {غورا} أي غائرا ذاهبا في الأرض لا تناله الأيدي ولا الدلاء {فمن يأتيكم بماء معين} أي ظاهر تراه العيون وتناله الأيدي والدلاء، وقال ابن عباس معين أي جار والمقصود من الآية أن يجعلهم مقرين ببعض نعمه عليهم ويريهم قبح ما هم عليه من الكفر والمعنى أخبروني إن صار ماؤكم ذاهبا في الأرض فمن يأتيكم بماء معين فلابد أن يقولوا هو الله تعالى فيقال لهم حينئذ فلم تجعلون معه من لا يقدر على شيء أصلا شريكا له في العبودية فهذا محال، والله أعلم. اهـ.